Loading...
رئيس مجلس الإدارة
د.حاتم صادق

المصرى اون لاينبوابة خبرية متخصصة

رئيس التحرير
قدري الحجار

حلم سوريا!
الدكتور حاتم صادق

الدكتور حاتم صادق

في العشرين عاما الماضية شهدنا سقوط العديد من البلدان العربية بداية من العراق ومرورا باليمن وليبيا وسوريا وانتهاء بالسودان.. وجميعها بالتأكيد لن يسعفه الحظ بالعودة مرة اخري كما سبق، في الوقت الذي تسعي فيه بعض القوى الاقليمية والغربية باستماته لتسويق نموذج لشكل الدولة الجديدة التي يرغبون فيها، بعد تراجع التجربة العراقية لعدم قدرتها على تجاوز خلافتها الداخلية، وجمود التجربة الليبية بسبب التدخلات الخارجية وتضارب مصالح الشخصية، فيما تشهد كلا من اليمن والسودان سقوطا حرا بعد خروج الاوضاع فيهما عن السيطرة.
وتبقي سوريا وما يحدث فيها من ارهاصات لتشكيل نظامها الجديدة، الذي يبدوا انه سيكون نموذج لدولة مرجعتيها دينية سنية ذات خلفية جهادية، لكنها في الوقت نفسه غير ملتزمة فعليا بالقضايا السياسية او العسكرية او التاريخية الشائكة، ومهمتها حفظ الاستقرار الداخلي وما تبقي من حدودها، وذلك اعتمادا على ثلاث عناصر اساسية، الاول، تغيير عقيدة الدفاع والامن. والثاني، ان الدعم الاقتصادي هو الاولوية القصوى. الثالث، منح الاقليات ما هو أكثر من الحقوق المدنية والسياسية.   
بالنسبة لنا يشكل العنصر الاول هو الاخطر لأنه الملمح الرئيسي لشكل الدولة المنتظرة.. ومنذ سقوط النظام السابق، وصعود أحمد الشرع وجماعته إلى السلطة بدعم خارجي، وتفكيك جيش النظام السابق الذي تورط بشكل او باخر في الحرب الاهلية، بأوامر من قياداته السياسية والعسكرية والأمنية، تسبب في فراغ مني غير مسبوق في البلاد تابعنا نتائجه في تدمير اسرائيل لجميع ما تبقي من اسلحة وعتاد علي مختلف القطاعات والافراع، حتي تصريح الشرع بانه سيتحرك سريعا لإنشاء "جيش وطني محترف" تتحد تحت رايته جميع الفصائل المسلحة، هو مجرد كلام للاستهلاك المحلي، لان استعادة الجيوش لقدرتها في ظل غياب الدولة هو مستحيل فعليا، والتجربة ما زالت ماثلة في العراق بعدما حل بول بريمر الحاكم العسكرى الامريكي الجيش العراقي عام ٢٠٠٣ وقام بتسريح كل افراده علي الرغم من اغلب العتاد العسكري كان مازال في الخدمة ولم يتعرض للتدمير، وحتي الان لم تعود قوة الجيش فعليا. لذا فان فكرة استعادة الجيش ليس مجرد تصريح خاصة إذا كان يتعارض مع مفهوم الدولة الجديدة التي يراد لها الاستمرار. حتى وان عاد فان العقيدة ستتحول من الدفاع عن الارض الي الدفاع عن السلطة، وفي هذه الحالة سيتحول الجيش الي امن داخلي بما يشترطه من مهمات وتسليح وعتاد.. وهذا هو البند الاول المطلوب حاليا، والمؤكد ان الاتفاق عليه سيؤدى حتما الي فتح الطريق امام عودة سوريا دوليا من بوابة انهاء الصراع مع تل ابيب!
خلال الأشهر الخمسة الماضية عقد الشرع اجتماعات عديدة مع قادة مختلف الفصائل لمناقشة آليات وأساليب اندماجهم الكامل والفعال في الجيش السوري الجديد. لكن من الواضح وفقا للتقييمات ومن خلال الرصد أن الخطوات على الأرض والخطوات العملية على الأرض تشير إلى أن بعض الفصائل لا تزال بالشكل أو بآخر، وعلى الأقل في المستقبل القريب والمنظور، بعيدة كل البعد عن الولاء الكامل، والتبعية الحقيقية، والمنضبطة للشرع، وحكومته.
وفي الواقع، في السنوات الأخيرة، عمل أكثر من 60 فصيلا مسلحا في سوريا، منتشرة في مناطق مختلفة في شمال وشمال غرب سوريا. من المعروف أن أكثر من نصف هذه الفصائل كانت تحت رعاية الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، والذي يضم ما لا يقل عن 70,000 إلى 80,000 مقاتل. كانت مهمتهم الرئيسية هي مواجهة ومحاربة ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية. في حين أن بعض الفصائل الأخرى عملت ضمن تحالفات اعتبرتها احتياجات عسكرية مؤقتة، فضل البعض الآخر العمل بشكل مستقل. كما تظهر توجهات ومذاهب هذه الفصائل اختلافات أيديولوجية مقسمة بين الفصائل المعتدلة والفصائل ذات التوجهات الدينية. ناهيك عن وجود مقاتلين جهاديين أجانب. وعلى المدى الطويل، سيثير ذلك تساؤلات حول الاندماج والولاء الكامل ليس لكل فصيل وانما لكل شخص. هذا دون ذكر المطالب الدولية والأمريكية المتزايدة بإقصاء هؤلاء المقاتلين الأجانب ومنعهم من تولي مناصب قيادية مسؤولة في الجيش. وهذه واحدة من اكبر المخاوف للولايات المتحدة، حيث تنظر إلى المقاتلين الأجانب على أنهم تهديد ومصدر قلق أمني وإشارة مقلقة من الشرع وقيادته. وهذا من شأنه أن يقوض جهود اعادة اندماج الحكومة السورية الجديدة في المجتمع الدولي، ويؤخر رفع العقوبات الذي من شأنه أن يسرع من إعادة إعمار البلاد.
عمليا، منذ اليوم الأول لسقوط نظام الأسد وجيشه، انتهزت إسرائيل الفرصة لشن هجماتها ساحقة، ونفذت مئات الغارات الجوية على مناطق واسعة من البلاد، ودمرت ما يقرب من 90٪ من قدرات الجيش البرية والبحرية والجوية، التي ورثتها من جيش الأسد السابق. لذلك، يجب أن يستند تسليح الجيش السوري المستقبلي إلى استراتيجية ورؤية شاملة وضعتها الدولة الجديدة، تحدد دورها وتوجهها العسكري، والعدو والتهديدات في المنطقة، والعلاقة والسياسة المتوقعة التي ستتبناها البلاد مع البيئة العربية والإقليمية والدولية. وبناء على ذلك، فإن تصنيف الصديق والعدو سيساهم بشكل كبير في تشكيل ملامح السياسة والعلاقات العسكرية للبلد، وسيحدد معايير العقيدة العسكرية المتوقعة التي يجب أن يبنى عليها الجيش من حيث التدريب والتسليح.
لا شك أن أي خطوة تتخذها القيادة السورية الجديدة بهدف بناء جيش وطني محترف يجب ألا تكون تقنية أو متعلقة بالتسليح وحده. بدلا من ذلك، يجب على القيادة التركيز على ضمان أن يقوم هيكل الجيش وتنظيمه على مشروع مؤسسي وطني شامل يحقق تطلعات الشعب السوري للأمن والاستقرار والازدهار، وهذه ازمة لم يتم الاتفاق عليها حتى الان بين مختلف الفصائل. لذلك، ومن أجل تحقيق هذا الهدف السامي المنشود، لا بد من ايجاد هذا المشروع الذي سيجتمع عليه الجميع، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والطائفية.
في السابق كانت تكمن أهمية بناء جيش محترف ومؤسسي، ذو قيادة أكاديمية عالية الأداء وانتماء وطني، في أن هذا الجيش وقادته كانوا يمثلون الضمان الأساسي للدفاع عن الأمن، ومواجهة أي تهديد إرهابي، خارجي أو داخلي. في النموذج الجديد كما هو مخطط له من المفترض ان يساهم الجيش بشكل فعال في بناء الثقة المتبادلة بين الجيش والشعب، مما سيعزز بدوره قيم المواطنة الحقيقية والانتماء الوطني، فضلا عن دوره المهم في تحقيق العدالة والمصالحة في البلاد، من خلال العمل، بالتعاون مع سلطات الأمن والعدالة، لمقاضاة المسؤولين عن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت في العهد السابق.
وتخطط القيادة في دمشق لإعداد ما بين 300 ألف إلى 400 ألف مقاتل على مراحل، وتضم أولها 80 ألفا. لكن الصعوبات المتوقعة، التي يعرفها الجميع، تكمن في تسليح وتدريب هذا الجيش. عمليا، أسواق السلاح اليوم مفتوحة، لكنها تتطلب ميزانيات مالية ضخمة، ناهيك عن أنها تخضع لمراقبة دقيقة من قبل العديد من الدول. مثل الولايات المتحدة وإسرائيل. لذلك، من الصعب للغاية على عملية التسلح التي يقوم بها الجيش السوري، كدولة مجاورة لإسرائيلي، أن تمضي قدما بشكل طبيعي وبدون عوائق. فالدول التي تستورد الأسلحة الأمريكية، وخاصة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية الثقيلة، لا يمكنها تصديرها إلى سوريا دون موافقة أمريكية وموافقة ضمنية من الحكومة الإسرائيلية. في المقابل، من المؤكد أن دولة منتجة مثل تركيا أو أي دولة شرقية أو غربية أخرى لن تصدر أسلحة إلى دمشق إلا لتحقيق أهداف سياسية وأمنية سيجد النظام السوري الجديد صعوبة في قبولها وتنفيذها. لذا فان كل القضايا السابقة، إلى جانب تدخل مختلف القوى الإقليمية والدولية في الشأن السوري نيابة عن طرف أو آخر، تشكل عقبات حقيقية يصعب تجاوزها او القفز عليها أمام ليس فقط أمام عملية بناء الجيش الجديد، لكن أمام حلم عودة الدولة نفسها وربما يبقي حلم للأبد، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية الأمريكي قبل أيام امام المشرعين في الكونجرس وقال فيها " من المرجح أن ينهار نظام أحمد الشرع في وقت أقرب بكثير مما كان متوقعا، مضيفا أن "انهيارا محتملا للسلطة الانتقالية السورية وحرب أهلية واسعة النطاق قد يستغرق أسابيع، وليس شهورا". هذا التصريح جاء بعد أيام من لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الشرع في الرياض.



تواصل معنا